علامات الترقيم.. إيضاح وإثارة
كيف تستخدم علامات الترقيم

لا يهم طول الجملة أو قصرها، مكتوبة أو مسموعة، طالما تستطيع ضبط إيقاعها وسرعتها وفقاً لغرضها.
20.4.21
رشاد عبد القادر



أما وقد تحدثتُ عن الجَوْر الذي لحق بـ"الجملة الطويلة" وما أثاره من "غيرة" المدافعين عن ميراث استخدام الجملة القصيرة في الراديو أو التلفزيون، أجدها فرصة مناسبة لتناول علامات الترقيم التي ترسم بداية الجملة ونهايتها وتضبط إيقاعها ومساحتها، وكثيراً ما يُساء فهمها واستخدامها.
أما وقد تحدثتُ عن الجَوْر الذي لحق بـ«الجملة الطويلة» وما أثاره من «غيرة» المدافعين عن ميراث استخدام الجملة القصيرة، أجدها فرصة مناسبة لتناول علامات الترقيم التي ترسم بداية الجملة ونهايتها وتضبط إيقاعها ومساحتها، وكثيراً ما يُساء فهمها واستخدامها.
فأول من صك تعبير «الترقيم» في العربية واستحدث علاماته التي نعرفها اليوم ووضع لها القواعد مستلهماً اللغات الأجنبية كان أحمد زكي باشا في كتابه «الترقيم وعلاماته في اللغة العربية» عام 1911. وكان أنْ طلب وزير المعارف المصري أحمد حشمت باشا من أحمد زكي باشا تدارك النقص الحاصل في «تلاوة الكتابة العربية، واستنباط طريقة لوضع العلامات التي تساعد على فهم الكلام.» فأعد كتابه مستلهماً اللغات الأجنبية التي كانت تُدرّس في المدارس الأميرية حينها؛ تشجيعاً للطلاب على تعلم العربية، وتسهيلاً لفهمها طالما أنهم اعتادوا علامات الترقيم الأجنبية.
ولعل بضعة قرون من الجدل بين نحويي اللغة العربية في دراسة النص القرآني للوقوف على معانيه وتبيان مواضع «الوقف والابتداء» التي ألّفوا فيها من دون مبالغة عشرات الك تب، كانت كفيلة بإضفاء المزيد من الغموض على استخدام علامات الترقيم المستحدثة هذه. فحتى اليوم ثمة خلاف حول إضافة هذه العلامات إلى النص القرآني من عدمه.
وكان الرجل مدركاً لجسامة الإرث الثقافي الذي تراكم على مدار نحو 1300 عام منذ وفاة الرسول (ص) وبدء معارك تدوين القرآن. حتى إنه أخذ طريق السلامة وآثر عدم استعمال هذه العلامات في كتابة القرآن؛ لأن «علماء القراءات قد تكفلوا بالإشارة إلى ما فيه الغناء والكفاية فيما يختص به.» حتى في كتابة الحديث فضل عدم استخدامها؛ لأن تعليمه حاصل بطريق التلقين.
هذا يعني ضمناً أن هذه العلامات والقواعد «اعتباطية،» يستند استعمالها إلى التوافق والعُرف والثقافة. حتى إن بعض العلامات التي قال بها زكي باشا أُميتت وبَطُل استعمالها مثل «.،.» (الفاصلة وتحتها نقطتان) للإشارة إلى الوقف في الكلام المسجع. وأنا شخصياً لا أفضل الإكثار من علامات الترقيم التي قد تشوش القراءة، فقليلاً ما استخدم الفاصلة المنقطة واقتصر من أصل ثلاثة استعمالات وضعها لها زكي باشا على استعمال واحد قبل الجمل الموضحة أو المؤكدة لما قبلها. ونادراً جداً ما استعمل علامة التعجب.
وعلامات الترقيم هي بالأساس ترميز للوقفات والسكتات التي يجريها المتحدث شفاهاً لتسهيل الفهم والإدراك، وإضفاء الوقع الدرامي على الحديث، وبالتالي هي محاولة لإظهار صوت الكاتب في النص المكتوب؛ متى يسحب نَفَسَه، متى يحبسه، ومتى يتوقف ليخرج الهواء من رئتيه.
ورغم أنها إجبارية، فإن بعض هذه العلامات اختيارية تترك للكاتب مساحة، كما يقول Roy Peter Clark في كتابه Writing Tools. ولعل الفاصلة هي واحدة من علامات الترقيم الأكثر تنوعاً في الاستعمال والأقرب لتجسيد صوت الكاتب وصورته أمام القارئ، ومع ذلك فهي الأقل اهتماماً من قبل الصحفيين. وعلامات الترقيم إرشادات للطريق؛ إذا كانت الجملة طريقاً سريعاً، فالنقطة في آخرتها علامة توقف. والطريق الملتوي الذي به كثير من علامات التوقف هو فقرة، والفاصلة مطبّ، والفاصلة المنقوطة هي ما يسميها معلم قيادة السيارة «تخفيف السرعة،» وما يُكتب بين قوسين فهو انعطاف، والنقطتان الرأسيتان هما الضوء الأصفر الذي يعلن أن ثمة شيئاً مهماً أمامك، أما الشرطة « – » فهي جذع شجرة على الطريق.
ولمساعدة القارئ على سلك هذا الطريق نستخدم هذه العلامات لـ:
ضبط إيقاع النص وسرعة القراءة.
تقسيم الكلمات والعبارات والأفكار إلى مجموعات متناغمة.
ستتعلم وضع علامات الترقيم بقوة لتصل للغاية التي تريدها عندما تبدأ بأخذ إيقاع أو سرعة pace الجملة ومساحتها space بعين الاعتبار. فقد ترغب مثلاً في تخفيف سرعة الإيقاع لأسباب استراتيجية: لتحقيق الوضوح، أو إيصال المشاعر أو خلق الإثارة.
ولا يهم طول الجملة أو قصرها، مكتوبة أو مسموعة، طالما تستطيع ضبط إيقاعها وسرعتها وفقاً لغرضها.
يكفي الحماس الذي يبثه الشيخ محمود الشحات أنور بين مستمعيه الذي يحبسون أنفاسهم على وقع تلاوته آياتٍ من القرآن بنَفَسٍ واحدٍ، فيرتفع الأدرينالين في عروقهم ويخرجون عن السيطرة أحياناً، لتتذكر مدى ارتباط سامعي العربية بالتنويع في جمل هذه اللغة.
وربما فوزي بشرى خير مثال -بغض النظر عن آرائه - على مدى بهاء الإطناب في اللغة العربية؛ مستحضراً رموزاً ودلالات وظلالَ معان من القرآن والأحاديث والشعر القديم تطرب لها أذن السامع؛ لأنه تعلّمَ «الوقف والابتداء» في التلاوة القرآنية التي أهرق أجدادنا الكثير من الحبر حولها. انظر إلى بهاء هذه الجملة الطويلة (36 كلمة) التي افتتح بها مطلع تقريره عن تنحي حسني مبارك:
﴿فاليومَ نُنَجّيكَ ببدنكَ لتكونَ لمنْ خلفكَ آيةً﴾، مصيرٌ سبق إليه الشهر الماضي الرئيس التونسي الذي لم يجد من الهرب بُداً فنجا هو الآخر ببدنه، تاركاً أمثولة بأن الشعوب أبقى وأقوى من الطغاة متى صح منها العزم.
12. Mai 2021
الكتابة تجعلك إنساناً
رشاد عبد القادر
بقلم:
الكاتب يستخدم كل شيء. يستخدم خياله، وغريزته، وعقله، وحواسه، وخبراته، وعلاقاته، وكلماته، وكل قصة تشرّبها منذ طفولته. قد تكون الكتابة عندك مهنة أو هواية أو ربما طموحاً. ولا يهم الطريق الذي تختاره، فبكل الأحوال الكتابة ستجعلك تعرف أكثر وتشعر أكثر. الكتابة ستعظِّم الإنسان بداخلك وتكثّفه.

22. April 2021
البساطة مفتاح الصحافة الجيدة، لكن ليس دائماً
رشاد عبد القادر
بقلم:
الكلمة البسيطة والجملة القصيرة والتركيب اللغوي الواضح لا غنى عنها في الموضوعات المعقدة والمبهمة والغريبة، لجعلها مفهومة بل و"مألوفة" عبر قوة الشرح. ولا أريد التحدث عنها اليوم. ما يأسرني أكثر أن الصحافي الجيد يستطيع أيضاً أن يجعلَ البسيطَ «معقداً»، ويترك أثراً جيداً لدى القارئ.
