top of page

بناء الجملة في اللغة العربية

الجُملة العربية تزدهر وتنتعش بالرّبط والارتباط والانفصال

الأصلُ في الجُمَل الانفصال والاستقلال، والأصل في المفردات الارتباط والتركيب.

8.9.22

رشاد عبد القادر

رشاد عبد القادر، رشاد عبدالقادر

«العربية» تطوّرت بخصائصها في الإيجاز كلّما وجدت إليه سبيلا. لذلك قالت العرب «خَيْرُ الكلام ما قِلّ ودَلّ»، فمتى ما أمكن أن يكون الكلامُ جملةً واحدة، كانَ أَوْلَى من جعله جملتين «من غير فائدة».

لسببٍ ما، تتجاذبُ قوّتان متضادتان بناءَ الجُملةِ في جميعِ اللغات. فالأصلُ في الجُمَل الانفصال والاستقلال [بوضع نقطة في نهايتها]، والأصل في المفردات الارتباط والتركيب [باستخدام أدوات الربط أو بوضع الفاصلة بعدها].


أرْجعَ الألماني جوتهلف برجشتراسر، المستشرق المختص باللهجات العربية، نزعةَ الاستغناء عن ربط الجمل بعضها ببعض، إلى خصائص اللغات عموماً، وأنها من بقايا حالِها الأوّليةِ البسيطة عندما كان لا يزال معجم البشر حُفنة مفردات لا تساعد على الإسهاب.


انظر:

جاء محمد وعبد الله.

فهذه الجملة - على بساطتها- هي بالأصل جملتان:

جاء محمد.
جاء عبد الله.

ولأنّ الجملتين السابقتين تنزعان إلى الانفصال والاستقلال [.]، رُبِطتا بأداة ربط (و) لتجنّب تكرار الفعل.


والربط هنا (و) هو أمْن اللَّبس في فهم الانفصال بين الجملتين؛ إذْ لا نستطيع القول: جاء محمد عبد الله. والربط اصطناعيّ لأنه ليس من أصل الجملة؛ أي أن الربط ليس حركة إعرابية إنما باستخدام الأداة (و).


فالجملة، بسيطة كانت أم مركبة، دائماً ذات معنىً دلاليٍّ واحد وليس عدة معانٍ دلالية [المعنى الدلالي الواحد قد يكون له أكثر من تفسير]. وتقتضي وحدةُ المعنى الدلاليِّ ائتلافَ المعاني الجزئية داخلَ الجُملة بطريق العلاقات النحويّة السياقيّة. لكن العلاقات النحويّة لا تَستوي كلها؛ فبعضها وثيقٌ كعلاقة الشيِ بنفسه وتسمى «الارتباط» [مثلاً الارتباط بطريق الحركات الإعرابية]، وبعضها واهنٌ كعلاقة الشيء بغيره ويحتاج دائما إلى أداة [أدوات الربط]، وتسمى «الرَّبْط».


ويشرح اللغوي د. مصطفى حميدة ذلك في كتابه «نظام الارتباط والربط» بقوله إن الجُملة كالعِقْد الذي يَجْمَع بين حَبّاتِه سِلْكٌ وثيقٌ، ولا بُدَّ أنْ يَبقى ذلك السِّلْكُ مُتَّصلاً، وإلا ما استطاع الرَّائي أنْ يَفهَمَ من شَكلِهِ معنى العِقْد، وهذا هو «الارتباط»، فإذا انقطع السِّلْك، وكنا نريد له أن يتصل وأن يُفْهَم منه معنى العِقْد، عالجنا انقطاعه بطريق الرَّبْط، حتى يعود متَّصلاً اتِّصال أشبه بما كان عليه، إلّا أن مَعْقِد الرَّبط يبقى واضحاً للرَّائي، ويظلُّ مَعْلماً وقرينةً ماديَّةً على أن ما اصطنعناه لا يُعدُّ ارتباطاً، كما أنَّه لا يُعذُّ انفِصالاً، وإنّما هو مَرْتبة وسطى بين الارتباط والانفصال ويسمى «الرَّبْط».


وإليك توضيح لمفهومي الارتباط (إسناد، تعدية، إضافة.. إلخ) والربط (باستخدام أداة ربط -و- في المثال) في هذه الجملة:




والعربية تلجأ إلى الرّبط بأداة لفظية ظاهرة حين تَخْشى اللَّبْس في فهم الانفصال بين مَعْنَيَين، أو اللَّبْس في فهم الارتباط بين مَعْنَيَين.


ليس ذلك فحسب، «العربية» تطوّرت بخصائصها في الإيجاز كلّما وجدت إليه سبيلا. لذلك قالت العرب «خَيْرُ الكلام ما قِلّ ودَلّ»، فمتى ما أمكن أن يكون الكلامُ جملةً واحدة، كانَ أَوْلَى من جعله جملتين «من غير فائدة»، كما يقول أبو بركات الأنباري النحويّ في كتابه «الإنصاف». فحال الوصل لدى العرب أعلى مرتبة من حال الوقف، وثقافياً الجماعة أهم من الفرد. وذلك أنّ «الكلام إنما وُضِعَ للفائدة،» يقول ابن جِنّي في كتابه «الخصائص»، فـ «الفائدة لا تُجنى من الكلمة الواحدة، وإنما تُجنى من الجُمَل ومدارج القول؛ فلذلك كانت حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف».


والحال، أنَّ هذه النزعة المتأصلة في الجملة العربية إلى الانفصال وميل مستخدميها إلى الإيجاز والوصل، خَلقَا بضع عشرات من أدوات الرّبط الاصطناعية، تُضْفي معنىً جديداً ودلالةً في كل سياق تُسْتَخدم فيه، خاصة إذا علمنا أن الإعراب بذاته لا يُضفي ثُقلاً معنوياً على الجملة. فأفعال الماضي والحاضر والأمر والفاعل والمفعول به والمبتدأ والخبر.. إلخ، هي هي، لا يتغير سلوكها ومعناها من كلام إلى كلام.


فهل يستوي أن نقارن هذا الكلام بكلام العوام؟


وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

لاحظ في «أَرْضِعِيهِ» و«أَلْقِيهِ» أنها تجمع الفعل والفاعل والمفعول به في كلمة واحدة بطريق الارتباط.


فالأصل:

- أوحى الله إلى أم موسى.

- قال الله أرضع يا أم موسى موسى.

- قال الله يا أم موسى إذا كنت تخافين على موسى، ألق موسى في اليم.


فلا يزال الفعل والفاعل والمفعول به كلها موجودة، ولم يتغير سلوكها أو معناها، ولكن الجُمَل أصبحت لا تطاق لركاكتها.


ما يحكم بناء الجُمْلة العربية في كل أحوالها، ويجعلها جُمَلاً مثقلة بالمعنى، هو القانون الذي أسماه الجرجاني «الفصل والوصل». الجُملة العربية تزدهر وتنتعش بالرّبط والارتباط والانفصال، فهي تَحْكُم العلاقات السياقيّة النحوية بين جُزئيات المعاني داخل الجُملة الواحدة، كما تَحْكُم تلك العلاقات بين الجُمل بعضها وبعض داخل النّص. ولا تُبْنى هذه العلاقات فقط بحرف العطف «و» المستشري في الكتابة الصحافية.


 

4. Dezember 2024

خرج من منزله، ولم يعد

رشاد عبد القادر

بقلم:

قصة تدور أحداثها في ديسمبر 2024، توثق سقوط حلب والتحالفات المتشابكة التي شكلت مصير المدينة. في قلب هذا الفوضى، يقف مقاتل حرية مسنّ، كان يأمل أن يتجاوز معارك الماضي، لكنه دفع الثمن الأغلى عندما طرقت الحرب بابه مجدداً.

12. April 2024

اللعبة التي علمتني سرد القصة

رشاد عبد القادر

بقلم:

نحن نتابع الأخبار لنتعرف على الوقائع، ونحصل على المعلومات، لكننا ننجر إلى القصص المرة تلو المرة؛ لأننا نحتاج إلى معرفة ما يعنيه تموضعنا داخل تلك الوقائع والمعلومات.

5. März 2024

هل يمكن أن تنقرض الصحافة؟

رشاد عبد القادر

بقلم:

التهديدات الوجودية التي تواجهها الصحافة، تفوق ما قد يتسع له فيلم رعب ذي ميزانية كبيرة. حقاً، لطالما كان الأمر كذلك.

26. September 2022

ترتيب الكلمات في الجملة

رشاد عبد القادر

بقلم:

لم يحظَ نظام الجملة العربية بالدراسة الكافية لدى نحاة «عصور الاحتجاج» الذين أرسوا قواعد اللغة. فلا تجد بين كتبهم الكثيرة، كتاباً عن الجملة العربية، أو حتى فصول من كتاب.

5. September 2022

غاية اللغة الوضوح

رشاد عبد القادر

بقلم:

متعة القراءة ليست في الوصول إلى ما تقوله الجملة لفظاً، إنما في استكشاف ديناميكيات التفاعل بين مكوّناتها

22. August 2022

مرونة «العربية».. لوثة لغة الصحافة

رشاد عبد القادر

بقلم:

في العربية تجد التقديم والتأخير والإضمار والتقدير والحذف، وأن حرفاً واحداً يحلّ محل جملة بأكملها، وأن الزمن «مطّاط» فيمكن لصيغة المضارع أن تشير إلى الزمن الماضي أو العكس.

30. Dezember 2021

نعم، لم يكن عادياً

رشاد عبد القادر

بقلم:

طوّرنا نحن البشر القدرة على خلق القصص والإيمان بها. طوّرناها لأن السرد يستطيع تجاوز «هنا، الآن» من خلال تعريف الأفراد بمواقف تتجاوز تجاربهم اليومية.

21. Mai 2021

دع الكلمات والجمل تتصادم

رشاد عبد القادر

بقلم:

المعنى يتوالد في التصادم بين الجمل، وليس كما تعتقد بأنه فكرة في دماغك يمكنك إيصالها عبر «وعاء» يسمى الجملة.

14. Mai 2021

الجُمَل.. ممثلون يؤدون الدور ويغادرون خشبة المسرح

رشاد عبد القادر

بقلم:

لماذا التركيز على الجمل وليس الخبر أو القصة ككل؟ لأن عملك ككاتب هو بناء الجمل؛ معظم وقتك ستقضيه في إنشاء الجمل في عقلك، ألم يخبروك بذلك؟ هذه هي حياة الكاتب.

12. Mai 2021

الكتابة تجعلك إنساناً

رشاد عبد القادر

بقلم:

الكاتب يستخدم كل شيء. يستخدم خياله، وغريزته، وعقله، وحواسه، وخبراته، وعلاقاته، وكلماته، وكل قصة تشرّبها منذ طفولته. قد تكون الكتابة عندك مهنة أو هواية أو ربما طموحاً. ولا يهم الطريق الذي تختاره، فبكل الأحوال الكتابة ستجعلك تعرف أكثر وتشعر أكثر. الكتابة ستعظِّم الإنسان بداخلك وتكثّفه.

6. Mai 2021

الصقور الحوّامة..

رشاد عبد القادر

بقلم:

اكتب كي تفاجئ نفسك حتى وإن كانت المفاجأة سيئة. «لديك الحرية. لديك الخيار. استخدمه. شجّع الآخرين على النزول عن غصن الشجرة. استثمر بعض الوقت والاهتمام للنظر فيما أنت ذاهب إليه. ولكن بعد ذلك انزلق. تحسّس تيار الهواء الصاعد. وحلّق».

3. Mai 2021

تمرين في اللغة

رشاد عبد القادر

بقلم:

الكتابة الجيدة لا تأتي بالفطرة. والجملة الواضحة ليست من قبيل المصادفة، إذ نادراً ما تأتي من المحاولة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة. إذا وجدت الكتابة صعبة، تذكّر هذا في لحظات اليأس: ذلك لأنها بالفعل صعبة.

30. April 2021

الأفعال.. تلك القوة المهدورة صحافياً

رشاد عبد القادر

بقلم:

الصحافة أساساً تدور حول الأفعال. وقوة الأفعال في أنها مرتبطة بزمن له بداية ونهاية، وبها حركة من النقطة «أ» إلى النقطة «ب»؛ ما يضفي الأكشن (أو التشويق إذا أردت) إلى السرد في النص. استبدال الأفعال بصيغة المصدر ينزع عن السرد دسمه.

25. April 2021

للعالقين في منتصف السُّلَّم.. ثمة مَخْرج

رشاد عبد القادر

بقلم:

أن تكون كاتباً جيداً عليك صعود سُلَّم اللغة وهبوطه باستمرار؛ إياك الوقوف في منتصفه للرقص. في أعلى السُّلَّم اللغة مجرّدة كالحرية والمعرفة، وفي أسفله اللغة مادية مرتبطة بالحواس كالشجرة والصخرة.

22. April 2021

البساطة مفتاح الصحافة الجيدة، لكن ليس دائماً

رشاد عبد القادر

بقلم:

الكلمة البسيطة والجملة القصيرة والتركيب اللغوي الواضح لا غنى عنها في الموضوعات المعقدة والمبهمة والغريبة، لجعلها مفهومة بل و"مألوفة" عبر قوة الشرح. ولا أريد التحدث عنها اليوم. ما يأسرني أكثر أن الصحافي الجيد يستطيع أيضاً أن يجعلَ البسيطَ «معقداً»، ويترك أثراً جيداً لدى القارئ.

21. April 2021

صحافة «قال وأضاف».. لديك خيارات أكثر من ذلك

رشاد عبد القادر

بقلم:

التقارير توصل المعلومات، القصص تخلق التجربةَ. التقارير تنقل المعرفة، القصص تنقل القارئ نفسه، عابرةً الزمان والمكان. التقارير تدلّنا على الحدث، بينما القصص تضعنا داخل الحدث.

20. April 2021

علامات الترقيم.. إيضاح وإثارة

رشاد عبد القادر

بقلم:

أما وقد تحدثتُ عن الجَوْر الذي لحق بـ"الجملة الطويلة" وما أثاره من "غيرة" المدافعين عن ميراث استخدام الجملة القصيرة في الراديو أو التلفزيون، أجدها فرصة مناسبة لتناول علامات الترقيم التي ترسم بداية الجملة ونهايتها وتضبط إيقاعها ومساحتها، وكثيراً ما يُساء فهمها واستخدامها.

18. April 2021

لا تخشَ الجملة الطويلة

رشاد عبد القادر

بقلم:

الطول سيجعل الجملة السيئة أكثر سوءاً، لكنه سيجعل الجملة الجيدة أكثر بهاءً. نصائح لاستخدام الجملة الطويلة بذكاء في الكتابة.

16. April 2021

طريق الإقناع معبّد بالتفاصيل

رشاد عبد القادر

بقلم:

وصف الروائي جوزيف كونراد Joseph Conrad ذات مرة مهمته في الكتابة قائلاً: "بقوة الكلمة المكتوبة، أريد أن أجعلك تسمع وتشعر، وقبل كل شيء أن أريد أن أجعلك ترى".

2. April 2021

في لعنة المعرفة

رشاد عبد القادر

بقلم:

صحافياً، تعني "لعنة المعرفة" عدم قدرة الصحافي على استيعاب أن القارئ لا يمتلك المعارف التي يمتلكها هو نفسه. والمشكلة تنبع أساساً من أن المرء كلما عرف شيئاً نسي الصعوبات التي واجهته في معرفة ذلك الشيء.

25. Oktober 2020

كيف تكون مكتشفاً للمشاكل؟

رشاد عبد القادر

بقلم:

الطلب في سوق العمل لن يكون على الذين يحلون المشاكل، بل على مكتشفي المشاكل. حل المشاكل سيكون مهمة سهلة ووظيفة الذكاء الاصطناعي.

26. Juli 2020

الفضول والألفة في الصحافة

رشاد عبد القادر

بقلم:

البشر كائنات معقدة؛ فهم فضوليون ومحافظون؛ متعطشون لأشياء جديدة ومنحازون للأشياء المألوفة. والألفة، كما يقول صاحب كتاب Hit Makers ليست النهاية. إنها مجرد بداية فقط.

21. Juli 2020

في مديح الثقة

رشاد عبد القادر

بقلم:

إن المبدأ الأول للصحافة - سعيها غير المتحيز نحو الحقيقة - هو في نهاية المطاف ما يميز الصحافة عن أشكال الاتصال الأخرى. فالحقيقة ليست كاملة أبداً، إنما في طور التشكل دائماً مع كل قصة جديدة.

22. Juni 2020

لسنا وحدنا.. فالعالم مثلنا أيضاً

رشاد عبد القادر

بقلم:

أنت كفرد تتوهم أنك تعرف أكثر مما كان يعرفه صياد قبل آلاف الأعوام، لكن الحقيقة أن معارفك بحاجياتك في عالمك أقل بكثير من معارفه بحاجياته في عالمه. فنحن في عالمنا المعاصر نعتمد على خبرات الآخرين في تلبية جميع احتياجاتنا تقريباً.

18. Juni 2020

نحتاج إلى 3 بالمئة فقط لإحداث التغيير

رشاد عبد القادر

بقلم:

عند كل مفترق حضاري، كان هنالك شخص مختلف، يفكر بطريقة مختلفة، ويريد إنجاز شيء مختلف، فيُحدِث التغيير الذي سينحدر في النهاية إلى نقطة الصفر، ولكي يستمر التطور سيحتاج إلى تغيير آخر!

11. Juni 2020

لا يكفي أن تكون صحفياً

رشاد عبد القادر

بقلم:

أولئك الذين يعزفون على أحد الآلات الموسيقية، يعلمون تلك المساحات المحسوبة بدقة هندسية متناهية بين العلامة الموسيقية ونصف العلامة وربع العلامة. والصحفي الجيد مثل العازف الجيد، عليه أن يعرف أين يضع إصبعه.

bottom of page